الرئيسية » الرئيسية » منوعات » مهند السوري.. لم يغادر حمص لكن “عدسته” غادرت بعيدا

مهند السوري.. لم يغادر حمص لكن “عدسته” غادرت بعيدا

العربية نت- هنادي الخطيب

لم يخرج جسدياً من حمص، ولكن كاميرته ذهبت بعيداً إلى بريطانيا، وعادت بشهادة دبلوم في صناعة الأفلام، ودبلوم في التصوير السينمائي من الأكاديمية البريطانية للتدريب والتطوير، ولا يزال مهند حمود في حمص، يصور الإنسان والحجر، ويؤرخ الدمار ودموع الأطفال وضحكاتهم المسروقة والصادقة، ومع فيلمين استطاع مهند إنجازهما “ريحان” و”حلم”، تتحول رائحة الموت المختلطة مع عطر دم الضحايا السوريين كائناً قائماً وليس مجرد كلام أدبي.

مهند حمود أو مهند الخالدية “كما يعرفه السوريون على الفيسبوك” عمره اليوم 25 عاماً، كما كثير من الشباب السوريين كبر 5 أعوام منذ بدأت الثورة في سوريا، واستطاع أن يبقى حياً حتى اليوم، وهو الإنجاز الأصعب في حمص سوريا.

حكاية الأسماء المستعارة

للأسماء المستعارة في سوريا حكاية، بدأت بالخوف الأمني ومحاولة التخفي في بداية الثورة السورية، واستمرت في كثير من الأحيان إلى اليوم، أحياناً لارتباط الاسم الجديد بمعلومات المنطقة، وأحياناً أخرى لشعور السوري أن اسمه المستعار بات جزءا منه ربما أكثر من اسمه الحقيقي.

مهند اختار أن تكون كنيته “الخالدية”، وبقي باسمه المستعار لليوم رغم أن كثيرين يعرفون كنيته الحقيقة، على اعتبار أنه واحد من أشهر مصوري وفناني حمص، وإن كان مهند ابن الخالدية، فإن توثيقه لحمص لم يقتصر على الخالدية يوماً.

شهادة من بريطانيا

تعرف مهند على الأكاديمية البريطانية للتدريب والتطوير عن طريق صديق، وراسل الأكاديمية ودرس فيها عن طريق الإنترنت “المتقطع والضعيف في سوريا”، ودرس مهند صناعة الأفلام والتصوير السينمائي لتصله شهادة دبلوم في صناعة الأفلام، ودبلوم في التصوير السينمائي، ومن الواضح أنه اختار مجال التصوير لحبه للمجال، وإن كان سابقاً يتمنى أن يصبح ممثلا أو مخرجاً، إلا أنه سجل حقوق في الجامعة، ومن ثم تسارعت الأحداث وبدأت الثورة لتتوقف الدراسة ويبدأ التوثيق.

“ريحان”، “حلم”، فيلما مهند عن ومن ولحمص، وحصل فيلم “ريحان” ضمن فعالية سينمائية تمت في الوعر باسم “مهرجان حمص للأفلام التسجيلية”، حصل ريحان على المركز الأول بعد أن تنافس مع 7 أفلام.

فيلم “ريحان” فيلم سوري بامتياز، يتحدث ويصور القلب السوري، والظلم السوري في ظل حكم بشار الأسد، ويقول مهند إن الفكرة بدأت من كونه “جار مقبرة الشهداء (الحديقة التي تحولت لمقبرة)، وأحببت أن أوصل للعالم فكرة أننا في حمص وربما في سوريا كلها، لا نمتلك رفاهية الوصول إلى المقبرة، بسبب إجرام عصابة النظام، فحولنا حدائقنا إلى مقابر”.

“حلم”

“حلم” هو فيلم مهند الأخير، ويبدو اسمه كافياً للتكهن بفكرة الفيلم.

أبطال “حلم” هم أطفال- كبار، سلبت الحرب طفولتهم، وحوصروا في حمص ومن ثم نزحوا، وإن أردنا الاختصار فيمكننا أن نقول عن “حلم”: (بحرب الكبار ما ذنب الطفولة؟ ما ذنب الضحكات الخجولة؟).

تغني طفلة سورية في “حلم” أغنية الطفلة اللبنانية ريمي بندلي “اعطونا الطفولة”، ولكن السورية استبدلت المسرح الذي غنت فيه بندلي، استبدلته بالدمار والموت، وظهرت لهجتها السورية في الأغنية دافئة ومعبرة عن بقية الأطفال في بلد يتدمر كل يوم.

العين الأخيرة لعدسة شاب حمصي

أذكر أنني كتبت 3 مرات عن صفحة حمصية اسمها “عدسة شاب حمصي”، وأحتفظ بصداقات مع بعض شبابها، ولكنني لم أكن أعرف أن مهند حمود- الخالدية، واحد من فريق الصفحة الأشهر للتصوير الفوتوغرافي ضمن فضاء السوريين الافتراضي.

“عدسة شاب حمصي” غادر شبابها حمص، وبقي مهند في حمص، يوثق وينشر ضمن الصفحة، ربما يمكننا أن نسميه “العين الأخيرة لعدسة شاب حمصي”.

تدخل إلى حمص فيستوقفك الخراب، تستوقفك حياة تنقصها الحياة، ويظهر الموت متلاعباً بها، للدرجة التي أصبح من الصعب على ابن حمص أن يذهب من حي إلى آخر والعودة دون أن يشعر بأنه ضل طريقه، إذ إن ملامح المدينة اختلفت ودمرت، وبات الحمصي المقيم خارج سوريا أو حتى خارج حمص لا يستطيع أن يعرف إن كان منزله أو حارته أو حيه لا يزال واقفاً أم أنه دمر وساوى الأرض، كل ما سبق استطاع مهند وغيره من شباب حمص توثيقه، ولعل الصور الأشهر لمهند هي صور الطفل فراس “صاحب أشهر ابتسامة سورية”، وفراس (5 سنوات في بداية الثورة) كان صديق مهند، وكما يقول مهند فإنه كان طفلاً واعياً وصغيرا، ولكن ضحكته المميزة سيطرت على قلوب الناس، فـ”اشتغلنا عليها بفريق عدسة شاب حمصي من حمص القديمة للوعر إلى أن ودعناه بالباص الأخضر في عملية الخروج إلى إدلب”، ويتابع مهند “وصل فراس للعالم بابتسامته كرمز لمدينة حزينة اشتهرت طول عمرها بالضحكة”.

فراس صاحب أشهر ابتسامة

فراس

محترفو حياة

يبدو السوريون محترفي حياة، يجدون طرقاً جديدة للعيش، فللحياة في ظل القمع والحصار كالحالة التي تعيشها سوريا حالياً طقوس خاصة، تسري على كل مناحي الحياة.

ومهند وغيره الكثيرون المحاصرون في سوريا، والتي تغيب كل الخدمات عن مناطقهم، ويتلقون كل يوم نيران الحقد الأسدي، لا يزالون يحترفون استخراج الابتسامة من الموت.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*