“ليس هناك أصعب من أن تكوني أماً، تعيشين في حلب الشرقية. يجب عليكِ التحلي بالصبر، أن تكوني أقوى من أي شخص في العالم. يجب أن تكوني أباً وأماً في الوقت ذاته، وأن تكوني طفلة أيضاً كي تلعبي مع أطفالك وحتى لا يشعروا بالوحدة”، هكذا وصفت أمٌ تقطن شرق حلب حياتها مع أطفالها.
وتضيف فاطمة العبد والدة الطفلة بانا، في حوار مع “سي إن إن“ “نحن على ثقة بأن العالم يسمعنا. العالم ينصت إلى الأطفال”.
Final message – people are dying since last night. I am very surprised I am tweeting right now & still alive. – Fatemah #Aleppo
— Bana Alabed (@AlabedBana) ١٢ ديسمبر، ٢٠١٦
منذ بداية الصراع السوري في 2011، باتت الأم لثلاثة أطفال تشاهد حياة أطفالها وهي تتحدد وتتشكل بمقتضيات الحرب. لا يعرف ولداها، محمد البالغ من العمر 5 سنوات ونور البالغ من العمر 3 سنوات، شيئاً في الحياة غير الحرب.
My dad is injured now. I am crying.-Bana #Aleppo
— Bana Alabed (@AlabedBana) ١٢ ديسمبر، ٢٠١٦
أصبحت ابنتها بانا، الطفلة ذات الضفيرة والتي يظهر فارق بين أسنانها والبالغة من العمر 7 سنوات، تجسيداً للخسائر الإنسانية التي حاقت بأطفال سوريا بفعل هذا الصراع الطاحن.
استخدمت الإنترنت لإيصال صوتها
منذ 3 أشهر مضت، قررت فاطمة، مدرسة اللغة الإنكليزية، استخدام الإنترنت المُتقطع اتصاله كي يسمع العالم أصوات أطفالها ويرى وجوههم، أملاً في حشد الدعم العالمي وإنقاذ حلب.
Final message – I am very sad no one is helping us in this world, no one is evacuating me & my daughter. Goodbye.- Fatemah #Aleppo
— Bana Alabed (@AlabedBana) ١٢ ديسمبر، ٢٠١٦
أنشأت فاطمة حساباً على موقع تويتر يحمل اسم “بانا”، لتغرّد بشكل شبه يومي عن طبيعة حياتهم تحت الحصار. وانتشرت مقاطع فيديو قصيرة للعائلة بشكل واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنها الفيديو الذي تظهر فيه الطفلة بانا بجوار النافذة بينما تدعو لإنهاء الحرب. لكن بعض مستخدمي موقع تويتر شككوا في مدى حقيقة ومصداقية هذا الحساب.
وغردت الأم السورية لتخبر العالم أن عائلتها مازالت على قيد الحياة بعد أن تمكن الجيش النظامي السوري من انتزاع مزيد من المناطق في شرق سوريا من قبضة قوات المعارضة أمس الأثنين، تاركاً فقط أحياء قليلة تحت سيطرة المعارضة.
Good evening my friends. What are you doing today? I am happy I lost two more teeth. – Bana #Aleppo pic.twitter.com/v2Dy7pYwvr
— Bana Alabed (@AlabedBana) ٨ ديسمبر، ٢٠١٦
بعدها بساعات، نشرت بانا تغريدة تقول فيها إن والدها أصيب. ولم تتوافر مزيد من التفاصيل حول هذه المعلومة حينها.
10 فروا خلال ساعات
وقد فرَّ نحو 10 آلاف شخص من شرق حلب خلال الـ24 ساعة الماضية. وشاهد فريد بلايتجن، مراسل “سي إن إن”، آلاف المدنيين يسيرون جنوب الجبهات الأمامية للقتال بينما يبدو عليهم الضعف بفعل الإجهاد وسوء التغذية ويتوسطهم أطفال، يبكون من الخوف.
لا أحد يساعدنا على الخروج
في تغريدة نشرت أمس الإثنين، كتبت فاطمة: “هذه رسالتي الأخيرة. أنا حزينة للغاية لأنه لا أحد في هذا العالم يساعدنا. لا أحد يساعدنا على الخروج أنا وابنتي من هنا. الوداع”.
Hello my friend @jk_rowling, I started reading your books now, my heart is for you. Thank you. – Bana #Aleppo #StandWithAleppo pic.twitter.com/MHtOIFzwuI
— Bana Alabed (@AlabedBana) ٢٤ نوفمبر، ٢٠١٦
وتخشى العائلة أيضاً من استهداف قوات النظام السوري لهم باعتبارهم نشطاء معادين للنظام. فقد كتبت العبد يوم الأحد الماضي، تقول” أتلقى العديد من التهديدات عبر موقع تويتر. أشعر أن قوات النظام تستهدفنا. لذا لا يمكنني أن أخبر أي شخص حتى والدي عن المكان الذي أعيش فيه”.
وتختبئ عائلة بانا منذ أن تحول منزلها إلى أنقاض في الـ27 من نوفمبر/تشرين الثاني وبات موقعهم غير معلوم.
قررت العبد التحدث مع شبكة “سي إن إن” للرد على الاتهامات الموجهة لها بأنها تستغل ابنتها بانا كأداة للدعاية ضد النظام.
مازلت أكافح من أجل حياة أطفالي
وقالت العبد في حديثها مع الشبكة الإخبارية: “مازلت هنا. أنا شخص حقيقي. مازلت أكافح من أجل حياة أطفالي. لسنا حملة دعاية. نحن أناس حقيقيون. نحن شعب حلب”.
عندما تحدثت معها شبكة “سي إن إن” يوم الأحد الماضي، بدت العبد أكثر هُزالاً وضعفاً من آخر مرة تحدثت فيها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ترتسم علامات الإجهاد والتوتر على وجهها و يصطبغ أسفل عينيها بلون أسود.
ليس لدينا طعام كاف
وتقول فاطمة: “ليس لدينا طعام كاف، حتى المياه، ليس لدينا مياه نظيفة. نشرب كوباً واحداً من المياه يومياً”. تتخلل رحلة بحثهم اليومي عن الغذاء والمياه انفجارات القنابل التي تتهاوى حولهم في كل مكان. وخلال الحوار معها، يمكن سماع أصوات الانفجارات في الخلفية.
ألقى البعض بظلال الشك على الفيديوهات التي تنشرها فاطمة على موقع تويتر واتهموا بانا بأنها تقول كلاماً ملقناً لها مسبقاً.
ولا تنفي فاطمة مساعدتها لابنتها في صياغة رسالتها إلى العالم. فتقول الأم، بينما تحمل طفلتها بانا، إنهما تتحدثان في الفيديوهات باللغة الإنكليزية حتى تتمكنا من الوصول إلى المشاهد الغربي. وبينما لا تتحدث ابنتها سوى القليل من الكلمات باللغة الإنكليزية، تحرص فاطمة على مساعدتها كي تصل رسالتها إلى عدد أكبر من الناس.
منذ شهرين، أخبرت فاطمة “سي إن إن” بأنها لن تغادر حلب الشرقية أبداً، لكن مع اقتراب قوات النظام من انتزاع آخر المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة، تأمل الآن أن تساعدها منظمات الإغاثة الدولية في الخروج بعائلتها إلى مكان آمن. فتقول: “أحب بلدي سوريا. لا أريد أن أتركها. لكن في هذه الأيام لا أريد البقاء في سوريا حتى تهدأ الأمور مرة أخرى. عندما ينتهي القتال، سأعود مرة أخرى”.
ربما يأخذونني ويأخذون زوجي
تشعر الأم السورية بالخوف الشديد من فكرة الرحيل مع آلاف الفارين إلى مناطق غرب حلب، التي تسيطر عليها قوات النظام السوري. فتقول: “ربما يأخذونني ويأخذون زوجي. قد يعذبوننا أو قد نرى أطفالنا يقتلون أمام أعيننا. لا أعرف. هناك الكثير من الأفكار في عقلي. لذا أخاف أن أخاطر بالخروج من هنا”.
وتابعت بقولها” أصبحنا الآن معروفين ويميّز كل أفراد النظام وجوهنا. أخشى أن أخسر أحد أبنائي إذا قررت الفرار مع بقية الناس لأنهم يعتقدون أنني أعمل ضد النظام. لا أنتمي إلى أي طرف في الصراع. كنت أتحدث عن الشعب السوري، وعن الأطفال، وخاصة الأطفال هنا، كيف يعانون، وكيف يعيشون هنا في شرق حلب. لا نريد محاربة أي طرف. لا أنتمي إلى أي جانب. نريد فقط إنهاء الحصار ووقف القصف. هذا كل ما نريده”.
بابتسامة عريضة، كشفت بانا عن فقدانها اثنين من أسنانها اللبنية. تقول بانا: “هناك قصف متواصل حتى في الليل. بات القصف جزءاً من حياتنا. سنموت.”.
تنبسط مع كتاب هاري بورتر
وتتابع الطفلة ذات التسعة أعوام بقولها أن أخاها الصغير نور لا يستطيع الحديث بسبب القصف. يضيء وجهها عندما تتحدث عن كتابها المفضل “هاري بوتر”. في الشهر الماضي، أرسلت “ج.ك. رولينغ”، مؤلفة الكتاب وواحدة من بين نحو ربع مليون متابع لحاسب بانا على موقع تويتر، نسخة إلكترونية من كتابها إلى الطفلة السورية كهدية.
وردت بانا على الهدية بقولها “أحب هاري بوتر. شكراً لكِ يا صديقتي رولينغ”. إن إجابات بانا التي تكون باللغة الإنكليزية قصيرة وتنتظر مساعدة والدتها للإجابة، لذا سألناها بعض الأسئلة باللغة العربية.
ذكرت بانا قائمة الأشياء التي تفتقدها في حياتها. فمثل كل طفلة بعمرها، تفتقد بانا أصدقاءها، ومدرستها، وبيتها الذي خسرته. لكن في ظل قلة الطعام في شرق حلب، تقول بانا أنها تفتقد الفاكهة التي تحبها كثيراً.
وتقول فاطمة إنه رغم المخاطر التي نجمت عن نشرها تغريدات وتسليط الضوء على قصة عائلتها، فقد نجحت في لفت الانتباه إلى معاناة الأطفال في حلب الشرقية، حتى ولو امتد ذلك لوقت قصير.
وتابعت بقولها إن الرسائل التي تصل إليهم من أشخاص في مختلف أنحاء العالم تمنحهم الأمل وهدفاً يتطلعون إليه.
وتقول: “ربما تكون هناك حياة خارج حلب المحاصرة. ربما ستحصل على حياة جيدة وتتمكن من الذهاب إلى المدرسة يوماً ما وتلعب في الحديقة خارج المنزل. قد تتمكن من الذهاب إلى المطعم مثلما كانت تفعل في الماضي”.